السحابة والذكاء الاصطناعي والأتمتة في قطاع الاتصالات: فن الممكن
بقلم أونوريه لابورديت، نائب الرئيس الأول بالإنابة لدى شركة "غلوبال تلكو"، ونائب رئيس منظومة شركاء الاتصالات لدى شركة "ريد هات"
تواجه شركات الاتصالات اليوم تحدياً يتمثل في تشغيل شبكاتها بشكل أكثر كفاءة والاستفادة منها على نحو أكثر فعالية. ويكمن مفتاح النجاح على هذا الصعيد في تصميم وتطوير بنية تحتية ذكية ومستقلة، تتضمن الاستعانة بالأتمتة والذكاء الاصطناعي والاقتصاديات الملائمة للنموذج السحابي الهجين.
ويشهد قطاع الاتصالات خلال المرحلة الراهنة إعادة تقييم حول سبل استخدام التقنية السحابية، شأنه في ذلك شأن العديد من القطاعات الأخرى. ويقتصر النهج التقليدي في نقل كافة العمليات إلى المنظومة السحابية العامة على عدد قليل من الشركات، حيث تتطلب أعباء العمل المختلفة استخدام بيئات تشغيل متنوعة لتلبية متطلبات الامتثال والأمان والاحتياجات الاقتصادية. وفي ضوء ذلك، أثبتت السيناريوهات الهجينة كفاءتها بوصفها طريقةً مُثلى لاستيفاء تلك المتطلبات.
وتمر العديد من شركات الاتصالات اليوم بهذه الحالة، فبعد فترة من التحول السريع نحو التقنية السحابية، اكتسبت هذه الشركات فهماً أكثر دقة لاقتصاديات عملياتها. ويؤدي هذا الوعي، بالإضافة إلى تغيرات المتطلبات التنظيمية واستراتيجيات الأعمال، إلى عملية إعادة تقييم متكررة لأعباء العمل التي يجب نقلها للتقنية السحابية، مع التركيز على استراتيجيات السحابة الهجينة التي توفر المرونة اللازمة للتكيف مع متطلبات التغيير والأهداف المالية والتشغيلية والتجارية.
وتشمل الطرق الكفيلة بتقليل تعقيدات البيئة الهجينة استخدام منصة أفقية وموحّدة توفر مجموعة متسقة من الأدوات التشغيلية والقدرات الأمنية السحابية المتعددة، ما يتيح للمؤسسات تحكماً مركزياً باستخدام الأتمتة لتوسيع ونقل أعباء العمل من مركز الشبكة إلى الأطراف إلى السحابة العامة ومن ثم بالاتجاه المعاكس، بما يضمن أقصى درجات المرونة والاستقلالية عند انتقاء الخيارات السحابية الحالية والمستقبلية.
الأتمتة المتكاملة
يتطلب تحقيق التكامل الأمثل بين التقنية السحابية والمنصات القابلة للتوسيع العمل ضمن مسارين أساسيين، وهما الأتمتة المتكاملة والذكاء الاصطناعي.
وتتنوع الطرق الكفيلة بتمكين الأتمتة، وتشمل توفير نقاط البيانات من العديد من الأجهزة والنهايات الطرفية في الشبكة وعبر تقنية المعلومات، حيث يتم تحليل هذه البيانات عن طريق تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تقدم بدورها توصيات لأدوات الأتمتة لتنفيذ تغييرات استباقية وتفاعلية.
وبالإضافة إلى توفير معلومات أفضل حول ما يتم تشغيله تلقائياً، يمكن للذكاء الاصطناعي تسريع عملية كتابة الأوامر البرمجية لتنفيذ عملية الأتمتة.
في هذا الصدد، تم استكمال أتمتة عملية توفير خدمات الاتصال في العديد من شركات الاتصالات، إلا أن ربط الأتمتة على نطاق التطبيق يبقى مجالاً مفتوحاً. وكما هو الحال في السحابة الهجينة، تحتاج شركات الاتصالات إلى اعتماد نهج شامل للأتمتة، سواء عبر الشبكة والبنية التحتية أو على مستوى تطبيقات الأعمال، نظراَ للحاجة إلى تطبيق الأتمتة على نطاقٍ أوسع وبشكلٍ متسق وقابل للتكرار، سواء فيما يتعلق بتوفير البنية التحتية، أو تطوير الخدمات، أو استخراج البيانات من النُظُم. ويمكن تركيز الأتمتة على مستوى المؤسسة على منصة متسقة، بما يتيح تجنب المناطق المعزولة من عملية الأتمتة وتحسين القابلية للاستخدام والإنتاجية العامة.
تطبيق الذكاء الاصطناعي لعمليات تكنولوجيا المعلومات في البنية التحتية
في استخدامها الذكاء الاصطناعي، لا تزال شركات الاتصالات تركز على مجالات مثل خدمة العملاء عن طريق روبوتات المحادثة، أو عمليات التحقق من الامتثال. ولا يزال استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال تحسين البنية التحتية في مراحله الأولى. ومع ذلك، من المتوقع أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متنامياً مع تطوُّر الذكاء الاصطناعي التوليدي والنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs). ويعتبر مفهوم التوليد المعزز بالاسترداد (RAG) أمراً بالغ الأهمية، إذ أنه يزود النماذج اللغوية الكبيرة بمعلومات إضافية من مصادر المعرفة الخارجية مثل بيانات الزمن الفعلي أو المعلومات السياقية أو المعلومات المتخصصة أو المعلومات الخاصة بالمجال، بما يتيح ذلك إنشاء منظومة حلقة مغلقة يمكنها توجيه القرارات تلقائياً إلى البنية التحتية بحيث يمكن تعديلها ديناميكياً عند الحاجة.
ويمكن تطبيق ذلك في مجالات مراقبة حركة مرور البيانات، وإدارة الأحمال، وضبط الأداء، وإدارة دورة حياة الشبكة وإدارة الطاقة. وفي إدارة الطاقة على سبيل المثال، يمكن ضغط الأعباء إلى وحدات أصغر لاستهلاك طاقة أقل في مركز البيانات، مما يؤدي إلى خفض التكاليف. وكان ذلك في السابق يتطلب الوصول إلى كل نظام على حدة وتشغيل برامج الجدولة. وفي شبكة النفاذ الراديوي (RAN)، يمكن استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لتعزيز التحكم الديناميكي في الترددات، والقطاعات، والخلايا والمحطات القاعدية. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً تبسيط وتسهيل العمليات من خلال تمكين تحليل الأسباب الجذرية في الزمن الفعلي لتقليل الوقت اللازم لإصلاح المشكلات، أو استخدام التحليلات التنبؤية لمنع المشاكل استباقياً، بما يرتقي بتجربة الخدمات بمُجملها.
فهم ماهية السحابة الهجينة
أدى ظهور الذكاء الاصطناعي إلى بروز التقنية السحابية. وباتت المؤسسات تدرك على نحو متزايد حاجتها إلى موارد محلية وموارد سحابية وأخرى طرفية لتحقيق أقصى استفادة من مشاريعها المتمحورة حول الذكاء الاصطناعي. وتعمل المؤسسات على تحقيق التكامل الاستراتيجي لحلول السحابة الهجينة مع مبادرات الذكاء الاصطناعي. وتشمل أبرز محركات هذا التوجُّه تنامي الحاجة إلى الجمع بين أمن البيانات واستقلاليتها وإمكانات الحوسبة للوصول إلى نماذج ذكاء اصطناعي قوية، مع استمرارية التحكم بتكلفة نماذج التدريب وكذلك استدلال النماذج. وتعتبر العلاقة بين خدمات السحابة والذكاء الاصطناعي تفاعلاً إيجابياً للطرفين، حيث تعمل السحابة كعمود فقري للتطوير المستمر والانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي. ويعد هذا التكامل أمراً مهماً لتمهيد الطريق أمام فرص أعمال جديدة، مثل التطبيقات الطرفية للمؤسسات، وتحقيق التحول في ممارسات العمل التقليدية.
ويتطلب تمكين شركات الاتصالات من تعزيز الابتكار والبقاء في دائرة المنافسة والجهوزية للمستقبل تبني تصورٍ جديد كلياً للشبكات. وبات من الممكن حالياً إنشاء بنية تحتية مؤتمتة بالكامل، تستخدم نموذجاً للنشر والعمليات دون تدخل، وتحكماً ذكياً بعمليات الحوسبة والتحزين وإدارة الشبكة، مع إمكانية التهيئة الذاتية والتعافي الذاتي والتحسين الذاتي والتطور الذاتي. ولا يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء مناطق منفصلة تعمل بشكل غير متسق، أو من خلال اتخاذ قرارات بشكل منعزل. ويتوجب على قطاع الاتصالات اعتماد نموذج تشغيل مشترك، وتقنية أتمتة، ومنصة سحابية في سبيل الاستفادة من عملية الربط التام من المركز إلى الأطراف إلى السحابة. ويتطلب ذلك في المقام الأول تبني القطاع لمنظومة مفتوحة وتعاونية للتطوير والاختبار والابتكار لربط جميع هذه العناصر معاً.