الذكاء الاصطناعي.. التحديات الأخلاقيَّة ورؤية المستقبل

.

19/10/2023
المصدر-جريدة الصباح


على مدار القرن الحادي والعشرين، شهدت التكنولوجيا تطورًا مذهلا، إذ تجاوزت حدود التصورات والتوقعات، ومن بين التقنيات الحديثة التي شغلت العالم بأسره، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أكثر الابتكارات تأثيرًا واعدا، إذ يعد الذكاء الاصطناعي مجالا متعدد التخصصات يهدف إلى تطوير الأنظمة القادرة على استيعاب المعلومات ومعالجتها واتخاذ القرارات بطريقة تشبه التفكير البشري.

مع هذا التقدم الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي، تنشأ تحديات أخلاقيَّة تستدعي منا التفكير العميق في الآثار المحتملة والتأثيرات الأخلاقيَّة لهذه التكنولوجيا، فكيف يمكننا ضمان استخدام التكنولوجيا الذكيَّة بطريقة تتماشى مع القيم الأخلاقيَّة والمبادئ الأساسيَّة للعدالة والمساواة؟

من بين أبرز التحديات الأخلاقيَّة التي تواجهنا في مجال الذكاء الاصطناعي هي قضيَّة الخصوصيَّة والأمان، إذ مع تطور الذكاء الاصطناعي، يتمُّ جمع كمياتٍ هائلةٍ من البيانات الشخصيَّة، الأمر الذي يثير مخاوف بشأن سريَّة وحماية تلك البيانات المهمة، إذ يجب أنْ نضعَ ضوابط صارمة لحماية خصوصيَّة الأفراد وضمان أنَّ البيانات الشخصيَّة لا تُسْتَخْدم بطرقٍ تعرض حقوق الأفراد للانتهاك.

وفضلاً عن ذلك، تثار قضايا الإرهاق الأخلاقي وتأثير البطالة التي يمكن أنْ يتسببَ بها الذكاء الاصطناعي مع قدرة الروبوتات والأنظمة الذكيَّة على تنفيذ المهام بشكلٍ أفضل وأسرع من البشر، إذ يمكن أنْ يؤدي ذلك إلى فقدان وظائف الكثير من العمال، ما ينشئ تحديًا اقتصاديًا واجتماعيًا يجب أنْ نتعامل مع هذه المسألة بحذرٍ ونضمنَ وجود آلياتٍ تعويضيَّة للعمال المتأثرين وتطوير فرص عملٍ جديدة تتوافق مع التكنولوجيا الحديثة.

علاوة على ذلك، تطرح التكنولوجيا الذكيَّة تحديات أخلاقيَّة أخرى تتعلق بتأثيرها في صناعة القرار والعدالة، فعلى سبيل المثال، قد تؤثر الخوارزميات الذكيَّة في اتخاذ القرارات المهمة، مثل قبول الطلاب في الجامعات أو تحديد العقوبات الجنائيَّة وهذا ما يجب أنْ نضمن وجود شفافيَّة ومساءلة في عمليَّة تطوير واستخدام هذه الخوارزميات، وأنْ نتجنبَ أي تحيزٍ أو تمييزٍ غير مبرر.

مع ذلك، وبالرغم من التحديات الأخلاقيَّة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فإنَّ هناك رؤية مستقبليَّة مشرقة تنتظرنا، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أنْ يحدثَ ثورة في العديد من المجالات، مثل الطب والتعليم والنقل والزراعة وأنْ يسهمَ في تحسين جودة الحياة وتسهيل حياتنا اليوميَّة، على سبيل المثال في مجال الطب، يمكن للذكاء الاصطناعي أنْ يساعدَ في تشخيص الأمراض بدقة أكبر وتوفير علاجات مخصصة لكل مريض، وكذلك في التعليم، يمكن للتقنيات الذكيَّة أنْ تساعد في تحسين عمليَّة التعلم وتوفير تجارب تعليميَّة تفاعليَّة وشخصيَّة، وفي مجال النقل أيضاً يمكن للذكاء الاصطناعي أنْ يقللَ من حوادث السير وتحسين كفاءة النقل العام، لذا واستناداً الى ما سبق، يجب أنْ نتبنى نهجًا متوازنًا في تطوير واستخدام التكنولوجيا الذكيَّة وأنْ نعكسَ القيم الأخلاقيَّة في تصميم النظم الذكيَّة واتخاذ القرارات المستدامة، إذ يتطلب ذلك تعاونًا فعّالًا بين الحكومات والمؤسسات الخاصة والمجتمع المدني لوضع إطارٍ تشريعي وقواعد أخلاقيَّة لضمان استخدام التكنولوجيا الذكيَّة بشكلٍ مسؤول ومناسب.

وفي نهاية المطاف يمكن القول إنَّ الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا مبهرة ومبتكرة، ولكنها تواجه تحديات أخلاقيَّة تستدعي اهتمامنا الجاد وأنْ نعملَ معًا لتحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والقيم الأخلاقيَّة، وأنْ نسعى للاستفادة القصوى من فوائد الذكاء الاصطناعي في خدمة البشريَّة وتحقيق تطورٍ مستدامٍ لمستقبلنا.