الإصلاحات الضريبية خطوة مهمة لتعزيز الاستقرار المالي

.

15/9/2025
المصدر-جريدة الصباح


تسعى الحكومة في السنوات الأخيرة إلى تنفيذ إصلاحات ضريبية تهدف إلى زيادة الإيرادات المالية وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد شبه الكلي على النفط، وهو الأمر الذي لاقى تأييداً واسعاً عبَّر عنه عدد من الاقتصاديين الذين أكدوا أن الإصلاحات الضريبية التي تتبناها الحكومة العراقية تمثل خطوة أساسية نحو تعزيز الاستقرار المالي وتنويع الإيرادات، داعين إلى ضرورة معالجة التحديات التشريعية والإدارية وتطوير آليات الجباية والرقابة.

عضو لجنة الإصلاح الضريبي خالد الجابري، أوضح في حديث لـالصباح أن عدد الشركات المتحاسبة في تزايد مستمر، عادّاً ذلك خطوة إيجابية، لاسيما بعد أن قفز العدد إلى نحو 7,722 شركة وبنسبة نمو 75 بالمئة عن السنة السابقة، بعد أن كان العدد في العام 2022 لا يتجاوز 2,000 شركة فقط، أي مانسبته 2 بالمئة من مجموع الشركات المسجلة، لافتاً إلى أنه وخلال العام الحال 2025 فإن النسبة مرشحة لتسجيل نمو أكبر.



النسق التراكمي

وتابع الجابري، أن استمرار النمو بالمعدل الحالي، سيصل إلى نحو 13,500 شركة متحاسبة (أي قرابة 15بالمئة من الكل)، مضيفاً أن الوتيرة إذا ما استمرت بنفس النسق التراكمي، فقد يتجاوز العدد 23,000 شركة، أي ما يعادل ربع الشركات المسجلة تقريباً، مبيناً أن هذا التطور يعكس تحولاً جذرياً خلال ثلاث سنوات فقط، من ما نسبته 2 بالمئة إلى احتمالية بلوغه 1525 بالمئة بحلول 2025، وهو ما يشكل فرصة استراتيجية لتعزيز قاعدة الإيرادات الضريبية وتنشيط بيئة الاستثمار.



خلق الفرص

وأشار عضو لجنة الإصلاح الضريبي، إلى أن هذا النمو يوفّر أكثر من مليون وظيفة مباشرة، فضلاً عن 1.52 مليون وظيفة غير مباشرة في سلاسل الإمداد والخدمات المساندة، ما يعني خلق ما يزيد عن 2.53 ملايين فرصة عمل وتقليص البطالة بين الشباب بمقدار نحو 10 نقاط مئوية، وبعد انتهاء فترة الإعفاءات، ستدخل هذه الشركات تدريجياً المنظومة الضريبية، مولِّدةً إيرادات يمكن أن تصل إلى 1 تريليون دينار سنوياً.

موقع متميز

وعلى المستوى الدولي، أشار الجابري، إلى أن التحول سيضع العراق في موقع متميز كنقطة مضيئة في مسار الاقتصاد العالمي، إذ يصبح بيئة جاذبة للابتكار وريادة الأعمال في مجالات الاقتصاد العصري مثل التكنولوجيا، الطاقة النظيفة، البناء الأخضر، والاقتصاد الدائري، فضلاً عن أنه سيعزز مكانة البلد كمنصة متقدمة لمواكبة التحولات الصناعية العالمية، ويحوله إلى مركز إقليمي لجذب الاستثمارات في القطاعات الخضراء والابتكارية.



القانون الضريبي

وأشار المتحدث، إلى أنه في حال إقرار القانون الضريبي الجديد، واستهداف نحو 5 بالمئة من شريحة الشباب القادرين على العمل، حيث تُشير الإحصاءات إلى أن 60 بالمئة من سكان العراق يستطيعون العمل وهم من شريحة الشباب، متوقعاً أنه وخلال أول سنتين، ستأسس ما يقارب 100ألف شركة ناشئة، وبفرضية أن الإيراد السنوي الأدنى لكل شركة لا يقل عن 100 مليون دينار، حيث ستضيف هذه الشركات ما مجموعه 10 تريليونات دينار سنوياً (نحو 6.6 مليار دولار) إلى الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل قرابة 4 بالمئة من الناتج غير النفطي الحالي.



العدالة الضريبية

من جانبه أكد الخبير في الشؤون المالية الدكتور سالم البياتي، أن الإصلاح الضريبي يمثل أحد الأجنحة المهمة في مسار الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي تسعى إليه أي دولة لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات.

وقال البياتي، في تصريح لـالصباح، : إن الكثير من الدول تعمل على إصلاح الإدارة الضريبية وتعديل السعر الضريبي بما يحقق العدالة الضريبية ويمنع التهرب، إلا أن ذلك لا يعني تحميل المواطن أعباء ضريبية إضافية من دون مراعاة قدرته الشرائية.

وأضاف أن الإصلاحات الضريبية وتشريع القوانين الجديدة وتنويع الضرائب المباشرة وغير المباشرة أمر مطلوب، لكن في المقابل يجب أن ترافقها سيطرة على المنافذ وتقليص مظاهر الفساد، لا أن يكون الحلُّ بفرض الضرائب على المواطنين تحت مسميات مختلفة.



تعزيز الإيرادات

وشدد البياتي على أن تحقيق التوازن بين الإصلاح الضريبي وزيادة الإيرادات يمثل الضمان لتحقيق العدالة الضريبية، مؤكداً دعمه لتعظيم الموارد العامة لكن وفق توجهات صحيحة تستند إلى معايير ومؤشرات واضحة.

من ناحيته، يقول الخبير الاقتصادي صالح الهماشي في تصريح لـالصباح: إن الإصلاحات الضريبية خطوة ضرورية وحاسمة نحو تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي على المدى الطويل، مشدداً على أن النظام الإداري والمالي الحالي ما يزال يشكل عقبة أمام نجاح هذه الإصلاحات.



نجاح الإصلاح

واقترح الهماشي جملة خطوات تضمن نجاح الإصلاح الضريبي، أبرزها: أتمتة النظام الضريبي والتحول نحو التحصيل والدفع الإلكتروني للحدِّ من الفساد والروتين وتشجيع الامتثال الضريبي، وتعديل التشريعات لمواكبة التطورات الاقتصادية وتقليل كثرة الإعفاءات الضريبية، بالإضافة إلى مكافحة التهرب الضريبي من خلال تعزيز الرقابة، وتبنّي نظام الرقم الضريبي بدلاً من تشابه الأسماء، وتشديد العقوبات، فضلاً عن التوعية الضريبية عبر إطلاق حملات توضح أهمية دفع الضرائب في دعم الدولة والخدمات العامة.



استثمار طويل الأمد

من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي، مظهر الغيثي، أن الإصلاحات الضريبية لم تقتصر على زيادة الإيرادات، بل مثلت استثماراً طويل الأمد في تعزيز فعالية الدولة. وأشار الغيثي، في تصريح لـالصباح إلى ضرورة التوسع في التحول الرقمي وربط الأنظمة الضريبية مع الجهات الأخرى، وتنويع القاعدة الضريبية بفرض ضرائب تصاعدية على الدخول العالية والكماليات، بالإضافة إلى إصلاح الإدارة الجمركية وتطبيق نظام ASYCUDA، فضلاً عن تقليص الهدر في الإنفاق والتوجه نحو الدعم النقدي المباشر للفئات المستحقة، وكذلك تحسين تحصيل إيرادات الكهرباء والماء عبر العدادات الذكية.