المصدر-جريدة المدى
يَحثّ القطاع المصرفي العراقي خُطاه لتفادي الدخول في "المنطقة الحمراء" أميركياً، بعد أن كان على وشك مواجهة مهلة حاسمة لتقديم تعهدات بخطة "أوليفر وايمان" الإصلاحية.
لكن وساطة البنك المركزي مع الشركة الاستشارية الأميركية أفضت إلى تمديد المهلة حتى 30 أيلول المقبل، مع تسهيلات تسمح بزيادة رأس المال تدريجياً حتى عام 2028.
وهذه التطورات أعادت ملف الإصلاح المصرفي إلى واجهة النقاشات الاقتصادية، بوصفه حجر الزاوية في تحسين التصنيف الائتماني للعراق واستعادة الثقة الدولية باقتصاده.
ووجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل فريق وطني يعمل على إعداد استراتيجية شاملة لرفع التصنيف الائتماني وتعزيز ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد العراقي.
وهذه الخطوة تأتي في ظل عجز مالي مزمن، واعتماد شبه كلي على الإيرادات النفطية، فضلاً عن ضغوط داخلية وخارجية تدفع بغداد نحو إصلاحات أعمق في القطاع المصرفي، الذي يُعَدّ المرآة الأوضح لصحة النظام الاقتصادي.
ويمثل التصنيف الائتماني السيادي مقياساً عالمياً يحدد قدرة الدول على الإيفاء بالتزاماتها المالية، ويؤثر مباشرة في كلفة الاقتراض وجاذبية البيئة الاستثمارية.
وبالنسبة للعراق، فإن وكالات التصنيف الدولية مثل "ستاندرد آند بورز" و"موديز" و"فيتش" أبقت تصنيفه عند مستويات متواضعة، مع نظرة مستقبلية مستقرة لكنها محفوفة بالمخاطر.
ورغم امتلاك العراق احتياطيات جيدة من النقد الأجنبي، إلا أن الوكالات حذّرت من ضعف الإطار المؤسسي وعدم الاستقرار السياسي، فضلاً عن الاعتماد المفرط على النفط، ما يجعله عرضة للتقلبات وفقاً لأسعار الطاقة.
معضلات متنامية
ويرى مختصون أن العجز المستمر في الموازنات السنوية، وارتفاع حجم النفقات التشغيلية، خصوصاً الرواتب في القطاع العام، جعلا العراق في مواجهة معضلة متنامية تتمثل في ارتفاع الدين العام وعدم القدرة على معالجة الاختلالات البنيوية.
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه أن "المشكلة أعمق من مجرد إجراءات تقنية لتحسين التصنيف"، مؤكداً أن "السياسات المالية غير المرنة والنفقات غير المخططة تُعَدّ من أكبر التحديات أمام العراق"، مشيراً إلى أن أي تحرك نحو تحسين التصنيف الائتماني "لن يكون ممكناً ما لم تتم معالجة هذه الاختلالات الهيكلية بشكل جذري".
ويضيف لـ(المدى) أن "تحسين صورة العراق المالية يتطلب إرادة سياسية حقيقية لتبني سياسات إصلاحية صارمة، تتضمن إعادة النظر في هيكل الموازنة، وتحديد أولويات الإنفاق، مع تقليص الاعتماد على النفط كمورد رئيسي وحيد".
ولفت إلى أن "العالم ينظر إلى العراق على أنه اقتصاد ريعي هش، وما لم يتم تجاوز هذه الصورة عبر إصلاحات جدية، فلن يتغير الموقف الدولي تجاهه".
وبالتوازي مع المساعي الحكومية لتحسين التصنيف، يواجه القطاع المصرفي العراقي تحديات معقدة مرتبطة بالقيود الأميركية المفروضة على التعامل بالدولار، إذ فرضت وزارة الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي إجراءات مشددة على المصارف الأهلية، متهمةً بعضها بعدم الالتزام بمعايير الامتثال الدولية.
وهذا الوضع هدد المصارف بالدخول في "المنطقة الحمراء"، قبل أن تثمر جهود البنك المركزي عن تفاهمات مؤقتة سمحت بتمديد مهلة الالتزام بخطة الإصلاح المصرفي.
متطلبات الامتثال الدولية
وتُعَدّ خطة "أوليفر وايمان" الاستشارية الأميركية الإطار الأساسي لهذه الإصلاحات، والتي تنص على رفع رأس المال تدريجياً، وتوسيع قاعدة الملكية، وتطوير الإدارة المصرفية، بما ينسجم مع متطلبات الامتثال الدولية.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي محمود داغر أن "المصارف العراقية ما تزال بحاجة ماسة إلى إصلاحات شاملة، لأن أداءها خلال السنوات الماضية لم يكن مرضياً بشكل كبير".
وأوضح في حديث لـ(المدى) أن "الموعد الذي أُثير حول 31 آب لم يكن موعداً نهائياً للإصلاح، بل يمثل فقط إعلان الالتزام بالبرنامج، فيما تبدأ الانطلاقة الفعلية للنصف الأول من عام 2026، وتمتد حتى عام 2028"، لافتاً إلى أن "البرنامج يشمل جميع المصارف، سواء المحرومة من التعامل بالدولار أو غير المحرومة".
وإذا ما تمكن العراق من معالجة العجز المالي وتطوير قطاعه المصرفي والالتزام بالمعايير الدولية، فإن الطريق سيكون ممهداً لتحسين تصنيفه الائتماني، ما يفتح الباب أمام خفض كلفة الاقتراض، وجذب الاستثمارات، وإعادة الثقة تدريجياً بالاقتصاد الوطني.
